الحمد لله نحمده حمد الشاكرين , ونشكره شكر الحامدين , الذي جعل الصلاة راحة للمؤمنين، وانسا , ,للذاكرين و ملاذا للطائعين, ومفزعاً للخائفين، ونوراً للمستوحشين، والصلاة والسلام على إمام المصلين المتهجدين، وسيد الراكعين والساجدين، المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال تعالى: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يدعون ربهم خوفا وطمعا ) [السجدة:16
وقال تعالى في شان المتهجدين
{كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) الذاريات 17,18
وقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [الزمر:9].
رغب القرآن في الصلاة في جوف الليل ، وبين ان المحافظين على الصلاة في الليل هم المستحقون لثوابه ورحمته , ومدحهم واثنى عليهم وجعلهم في جملة عباده الابرار فقال : ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ، والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ) الفرقان 63 _ 64
والآيات الدالة على فضل قيام الليل كثيرة
حث النبي على قيام الليل ورغّب فيه، فقال عليه الصلاة والسلام: {عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم،ومطردة للداء عن الجسد } [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
وقال : { في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها } فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: { لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائماً والناس نيام } [رواه الطبراني والحاكم وصححه الألباني:
وقال في شأن عبد الله بن عمر: { نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل } [متفق عليه]. قال سالم بن عبد الله بن عمر: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً
وقال : { أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس } [رواه الحاكم والبيهقي وحسنه المنذري والألباني].
وقال : { من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين } [رواه أبو داود وصححه الألباني]. والمقنطرون هم الذين لهم قنطار من الأجر.
وذكر عند النبي رجل نام ليلة حتى أصبح فقال: { ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه !! } [متفق عليه].
وقال : { أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل } [رواه مسلم].
وقال : ). أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام ؛ تدخلوا الجنة بسلام رواه الترمذي وابن ماجة,
وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنَّه سمع رسول الله يقول: "أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممَّن يذكر الله في تلك الليلة فكن" (رواه الترمذي وصححه).
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله، أي الدعاء أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات" (رواه الترمذي وحسَّنه).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له" (رواه البخاري ومسلم).
هذه هي فرصة الغفران تعرض علينا كل ليلة.. بل هي أمامنا كل حين، ولكنها في الثلث الأخير أقرب إلى الظفر والنيل.
ويد الله سبحانه مبسوطة للمستغفرين بالليل والنهار.. ولكن استغفار الليل يفضل استغفار النهار بفضيلة الوقت وبركة السحر؛ ولذلك مدح الله جلّ وعلا المستغفرين بالليل فقال سبحانه: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ..}.
وذلك لأنَّ الاستغفار بالسحر فيه من المشقة ما يكون سبباً لتعظيم الله له.. وفيه من عنت ترك الفراش ولذاذة النوم والنعاس ما يجعله أولى بالاستجابة والقبول.. لا سيما مع مناسبة نزول المولى جلَّ وعلا إلى سماء الدنيا وقربه من المستغفرين.. فلا شكَّ أنَّ لهذا النزول بركة تفيض على دعوات السائلين وتوبة المستغفرين وابتهالات المبتهلين.
وعن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه عن النبي قال: "تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد: هل من داع فيُستجاب له، هل من سائل فيُعطى، هل من مكروب فيفرج عنه، فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله تعالى له، إلا زانية تسعى بفرجها، أو عشاراً" (رواه الترمذي وحسَّنه).
فصلاة الليل هي نافلة من نوافل العبادات الجليلة.. بها تكفر السيئات وتكتسب الحسنات .. وتغفر الذنوب .. وبها تقضى الحاجات.. وبها يُستجاب الدعاء.. ويزول المرض والداء.. وترفع الدرجات في دار الجزاء.. نافلة لا يلازمها إلا الصالحون، فهي دأبهم وشعارهم وهي ملاذهم وشغلهم.
فيا من ظلم نفسه وأسرف بالذنوب , ويا ايها المهموم والمكروب , ويا ذا الحاجة . قم وأحسن الوضوء وتضرع وأجب ربا دعاك , تضرع وابتهل وادع وكن على ثقة انك موعود بالأجابة ,واعلم ان الله اقرب اليك في هذا الوقت المبارك , ولاتتعجل ولاتيأس (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ(.
قيام النبي صلى الله عليه وسلم
أمر الله تعالى نبيه بقيام الليل في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } [المزمل: 1-4].
وقال سبحانه: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } [الإسراء: 79].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: { كان النبي يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه. فقلت له: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله، وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً؟ } [متفق عليه].
وهذا يدل على أن الشكر لا يكون باللسان فحسب، وإنما يكون بالقلب واللسان والجوارح، فقد قام النبي بحق العبودية لله على وجهها الأكمل وصورتها الأتم، مع ما كان عليه من نشر العقيدة الإسلامية، وتعليم المسلمين، والجهاد في سبيل الله، والقيام بحقوق الأهل والذرية وكان - صلى الله عليه وسلم - في الأغلب يصلي إحدى عشرة ركعة يسلم من كل اثنتين ، ويوتر بواحدة ، وربما أوتر بتسع أو بسبع أو خمس ، ولكن الأغلب أنه يصلي إحدى عشرة ، وربما صلى ثلاث عشرة يطيل في قراءته وركوعه وسجوده عليه الصلاة والسلام.
الأسباب الميسِّرة لقيام الليل
1- عدم الأكثار من الأكل والشرب , فإنَّ كثرة الطعام والشراب مجلبة للنوم ,ومثقلة للقيام .
قال أحد الصالحين لاتأكل كثيرا فتشرب كثيرا فتنام كثيرا فتخسر كثيرا
.2- عدم ترك القيلولة في النهار في تعين على القيام ,وقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على القيلولة فقال "قيلوا فإن الشياطين لا تقيل" (رواه الطبراني )
3- عدم اتعاب النفس في النهار بما لافائدة فيه ولاضرورة .
4- عدم ارتكاب المعاصي والأوزار في النهار فهي تحرم قيام الليل .
قال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد: إني أبيت معافى، وأحبّ قيام الليل، وأعد طهوري، فما بالي لا أقوم؟ فقال: "ذنوبك قيدتك".
وقال رجل لإبراهيم بن أدهم: إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء؟ قال:" لا تعصه بالنهار، وهو يقيمك بين يديه بالليل، فإنَّ وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف".
5- سلامة القلب من الحقد والكره للمسلمين وتجنب البدع وفضول الدنيا .
6- خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل , مع ذكر هادم اللذات , وأهوال الآخرة .
7- معرفة فضل قيام الليل وثمراته .
8-حب الله وقوة الأيمان . فمن احب الله أحب مناجاته وتلذذ بحلاوة المناجاة .
فوائد قيام الليل الصحية
جاء في كتاب " الوصفات المنزلية المجربة وأسرار الشفاء الطبيعية " وهو كتاب بالإنكليزية لمجموعة من المؤلفين الأمريكيين – طبعة 1993، أن القيام من الفراش أثناء الليل والحركة البسيطة داخل المنزل والقيام ببعض التمرينات الرياضية الخفيفة، و تدليك الأطراف بالماء، والتنفس بعمق له فوائد صحية عديدة
ولو تأملنا هذه النصائح لو جدنا أنها تماثل تماماً حركات الوضوء والصلاة عند قيام الليل، وقد سبق النبي صلى الله عليه وسلم ( وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى),كل هذه الأبحاث في الإشارة المعجزة إلى قيام الليل فقال: " عليكم بقيام الليل، فانه دأب الصالحين قبلكم، و قربه إلى الله عز و جل، و منهاة عن الإثم، و تكفير للسيئات، و مطردة للداء من الجسد "... أخرجه الإمام أحمد في مسنده و الترمذي
وقد اثبتت الدراسات الطبية ان قيام الليل " يؤدي إلى تقليل إفراز هرمون الكورتيزون في الجسم مما يقي من الزيادة المفاجئة في مستوي سكر الدم، والذي يشكل خطورة علي مرضي السكر، و يقلل كذلك من الارتفاع المفاجئ في ضغط الدم، ويقي من السكتة المخية والأزمات القلبية
ويؤدي قيام الليل إلى تحسن و ليونة عند مرضى التهاب المفاصل المختلفة، سواء كانت روماتيزمية أو غيرها نتيجة الحركة الخفيفة والتدليك بالماء عند الوضوء.
قيام الليل علاج ناجح لما يعرف باسم " مرض الإجهاد الزمني " لما يوفره قيام الليل من انتظام في الحركة ما بين الجهد البسيط والمتوسط،
ويؤدي قيام الليل إلى تخلص الجسد من ما يسمي بالجليسيرات الثلاثية ( نوع من الدهون ) التي تتراكم في الدم خصوصاً بعد تناول العشاء المحتوي علي نسبه عالية من الدهون
ويقلل قيام الليل من مخاطر الموت المفاجئ و من خطر الوفيات بجمع الأسباب
وقراءه و تدبر القرآن و ذكر الأدعية ينشط الذاكرة وينبه وظائف المخ الذهنية المختلفة